ليندا دراغمة...من أسرّة المشافي إلى احتفالات التخرج

 

ليندا دراغمة...من أسرّة المشافي إلى احتفالات التخرج

تعلو الابتسامة محياها وهي تحقق حلمها الأجمل وتنتصر على آلامها، ليندا دراغمة إحدى خريجات الفوج التاسع عشر (فوج اليوبيل الفضي) في فرع جامعة القدس المفتوحة بطوباس، عانت أمراضًا متعددة، منها تصلب الوريد الرئوي الذي جعلها غير قادرة على الاستغناء عن جهاز التنفس الاصطناعي.

رغم حاجة ليندا إلى غسل الكلى ثلاث مرات أسبوعيًا، فإن ذلك لم يثن عزيمتها، تقول: "ما أشدها عليّ من أيام أستبدل فيها بمقعدي الجامعي سريرًا داخل مشفى، وبأساتذة جامعة أطباءَ يحومون حولي، وبزميلات أيام الدراسة الثانوية مريضاتٍ يرقدن بقسم الكلى، وبأكياس الحلوى والمسليات علب الأدوية البغيضة! وهكذا أمست مركبات الهلال وسيارات الإسعاف وسيلة النقل الوحيدة. أجل، كان تقبل الفكرة والإيمان بحتمية الوصول أولى خطوات النجاح، وكان للعمل الجاد الدؤوب وتعاون كل من هم حولي أثرٌ إيجابي في وصولي اليوم إلى هنا والحصول على شهادتي الجامعية الأولى".

الأهل والجامعة والكادر الطبي...ثلاثية العطاء

تتابع ليندا: "منذ بداية رحلتي الجامعية الطويلة الشاقة كان لأهلي دور بارز في توفير كل احتياجاتي ومساعدتي بكل إمكاناتهم؛ فوالدي شكل أنموذجًا للأب الذي يقدم كل ما بوسعه لأكون سعيدة، وهذه والدتي تشاطرني الألم فكانت رفيقة دربي طيلة فترات العلاج داخل المشافي، وهؤلاء إخوتي يشكلون أنموذجًا راقيًا في التعاون والمحبة. أما جامعتي فقد وفرت أمامي كل التسهيلات، فهي النموذج الأروع للمؤسسات الوطنية التي تقدم الدعم المادي والمعنوي لأبنائها من حيث المنح والمساعدات وتعاون أعضاء هيئة التدريس والعاملين بوجه عام"، ثم تضيف قائلة: "الطواقم الطبية في مشفى طوباس التركي الحكومي ومشفى النجاح وطاقم الهلال الأحمر بطوباس كانوا جميعًا ملائكة رحمة ما انفكت تشجعني وتمدني بالأمل كل حين، لهذا كله عليّ أن أهدي شهادتي لأهلي وجامعتي وللطواقم الطبية كافة".

ليندا في عيونهم

يقول مدير فرع "القدس المفتوحة" في طوباس، د. نضال عبد الغفور، إن ليندا حالة متفردة، وهي أنموذج يبث الأمل في قلوب الكثيرين، مؤكدًا أن الجامعة عملت كل ما بوسعها لكي تتمكن ليندا من تحقيق غايتها ومبتغاها، فوفرت لها فرصة تقديم الامتحانات في المنزل والمشفى، وطفقت تقدم لها كل العون، وخاصة المساعدة الأكاديمية، كلما ألح الأمر.

يؤكد منسق العمل التطوعي في الهلال الأحمر الفلسطيني، منذر الرطروط، (متابع حالة الطالبة المريضة) أن ليندا تمثل حالة نموذجية للفتاه الفلسطينية التي تتحدى الصعاب، يقول: "كثيرًا ما كنت أراها-وهي تستلقي على سريرها في سيارة الإسعاف-تطالع كتبها"، ثم يتابع قوله (وهو المنسق مع إدارة فرع الجامعة لمتابعة تسجيل الطالبة): "إن الجامعة والعاملين شكلوا نموذجًا مشرفًا للعمل المؤسسي لبذلهم جهودًا طيبة أسهمت بتحقيق حلم ليندا".

والدتها التي تبدو على قسمات وجهها علامات الفرح والفخر تقول: "اعتادت ليندا أن تترك أثرًا إيجابيًا في نفوس من تقابلهم وفي كل عمل تقوم به، فطفقت تبث روح الأمل لدى مرضى الكلى من خلال ابتسامتها التي ترافقها ومن خلال حديثها الدائم عن طموحها رغم ما تخفيه من آلام". وبينت الأم أنها اعتادت مرافقة ابنتها ليندا والإقامة في المشفى نتيجة غسل الكلى الأسبوعي، وبينت أيضًا أن تعاون أسرتها وتماسكها جعل الأمور تبدو سهلة يسيرة رغم صعوبة التنسيق بين احتياجات ليندا واحتياجات العائلة. وتشير الأم إلى أن الأسرة تتحمل أعباء إضافية نتيجة أثمان الأدوية والفحوصات الطبية التي لا تشملها خدمات التأمين الصحي في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وفي ظل الابتسامة وفرحة الأهل والأقارب بإنجازها المشهود لا تخفي ليندا قلقها من الأيام القادمة، تقول: "أعتقد بأن ابتعادي عن واجباتي وكتبي الجامعية سيجعلني أشعر بشيء من الوحدة، فصداقتي مع كتبي الجامعية خففت عني أوجاعي، ولكن إيماني بالله وثقتي بعائلتي يشعرانني بأنني أقترب من تحقيق أحلامي أكثر، فأنا أحلم بالحصول على وظيفة ولو جزئية، وأن أقوم بعمل من داخل منزلي، فضلاً عن حلمي الأهم الذي ما فتئ يطرق داخلي كل لحظة فأعود أستنشق الهواء-كما الجميع-بعيدًا عن الأجهزة الطبية المساعدة.

وتتابع ليندا: "ما حققته كان بفضل الله أولاً ثم بفضل جامعة القدس المفتوحة ونظامها المرن وتفهم القائمين عليها لوضعي الصحي، فشكرًا لرئيس الجامعة سعادة الأستاذ الدكتور يونس عمرو، ولمدير فرع الجامعة بطوباس د. نضال عبد الغفور، ولكل العاملين في الجامعة، ولا أنسى العاملين في مستشفى النجاح الجامعي ومستشفى طوباس التركي وطواقم الهلال الأحمر، ولا أنسى رفقاء دربي الذين شاطروني لحظات الفرح وتعايشوا مع آلامي: والدتي، ووالدي، وأخواتي، وأخوتي، فهم من سهروا الليالي على راحتي، ثم لا أنسى رفيقات دربي صديقاتي اللواتي كن يدي اليمنى، لكل من ذكرت ولكل من قدم لي المساعدة أقدم شكري ومحبتي".