الأسير المحرر سناكرة من "أميّ" إلى خريج جامعي

 

الأسير المحرر سناكرة من "أميّ" إلى خريج جامعي

نابلس-ينابيع-ديانا صلاح-الأسير المحرر محمود صالح سناكرة، من سكان مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين، ويعود أصله إلى قرية (المويلح) قضاء يافا. أمضى سناكرة (18) عاماً في سجون الاحتلال، علماً بأنه عاش يتيماً منذ الصغر، لكنه كان يرى في أخيه الأكبر والده، لما يبديه من عطف وحنان ودعم.

كانت والدته الركيزة الوحيدة في المنزل، فهي الأم والأب معاً، وكل حياته، وهذا ما دفع بمحمود للنضال واختيار درب المقاومة من أجل العيش، لأنه كان يدرك أن الاحتلال هو أكبر معيق لحياة الحرية والأمان والاستقرار له ولشعبه، لذا انخرط في صفوف المقاومة.

عام 2000، وحين اندلعت انتفاضة الأقصى بعد اقتحام شارون لحرم المسجد الأقصى، شارك محمود في مسيرات وتظاهرات كانت تندد بذاك الاقتحام، وكان يقوم هو ورفاقه برشق الحجارة على جنود الاحتلال المتمركزين في مداخل نابلس، تلك المواجهات التي كانت تسفر عن عدد كبير بين جرحى وشهداء، وقد أصبحت لديه قناعة بأن لا خيار أمامه سوى خيار المقاومة لتحرير الوطن، فانتقل عام 2001 إلى العمل العسكري مع القائد الشهيد محمود الطيطي لينخرط في كتائب شهداء الأقصى، إلى أن جرى اعتقاله بتاريخ 21-8-2002 وعمره (18) عاماً.

حياة السجن

كان السجن الوجه الآخر لحياة أسير "أميّ" لا يقرأ ولا يكتب!! ومن هنا بدأت نقطة التحول في حياته التعليمية، فلقي في السجن كل دعم وتشجيع على تعويض ما فاته من التعليم، وبدأ بتعلم القراءة والكتابة على يد الأسير بشار صلاحات من وادي الباذان بنابلس. وبالفعل، خلال (12) يوماً تعلم الأحرف وتجميعها وأصبح يتمرن وينسخ ويقرأ القصص القصيرة وكتباً أيضاً، وأول رسالة كتبها لأهله تكونت من (4) صفحات لكن لغتها كانت ركيكة، ورغم ذلك فهموا منها أنه بحاجة إلى المال وأن إرادته قوية، وكانت هذه المحاولة سبباً في نجاحه، فالتحق بدورة "محو أمية" مع الأسير خالد خديش الذي أنيطت به مهمة تدريب أسير آخر أميّ، وهكذا وبعد عدة محاولات كسر حاجز الخوف والرهبة وبدأ يتقدم في التعليم.

عام 2007 توقف نظام التوجيهي في السجون، وأصبح التعليم ذاتياً، ورغم ذلك استمر سناكرة بتلقي الدورات التثقيفية والتعليمية، وبناء الكادر التنظيمي، وقراءة القرآن، وتعلم اللغتين الإنجليزية والعبرية والإفادة فكرياً وتعليمياً من الأسرى الحاصلين على شهادات ماجستير ودكتوراه، أولئك الذين انهمكوا في نقل المعرفة إلى أقرانهم الأسرى غير المتعلمين.

كان سناكرة يتمنى أن يدرس إدارة الأعمال، ولذلك كان يقرأ كتب جامعة القدس المفتوحة في تخصص الإدارة، إلا أنه لم يكن يفهمها كثيراً، فشرع بقراءة روايات حنا مينا.

تحقيق الحلم بالشهادة الجامعية

التحق سناكرة بالمرحلة الثانوية العامة في عام 2015 وذلك بعد 8 سنوات من إيقاف الاحتلال للتوجيهي في السجون، على نية أن يكمل تعليمه الجامعي خارج أسوار السجن، إلا أن المفاجأة كانت بمبادرة جامعة القدس المفتوحة التي فسحت المجال لأبنائها الأسرى ليلتحقوا ببرنامج البكالوريوس داخل السجون.

بعد نجاحه في الثانوية العامة، التحق سناكرة في كانون الثاني من العام 2016 ببرنامج بكالوريوس جامعة القدس المفتوحة داخل سجن جلبوع ليدرس تخصص الاجتماعيات.

الحياة الجامعية داخل السجن

تحدث سناكرة عن تحول نظام حياته خلال فترة الدراسة، بحيث يتم تقسيم الطلبة إلى (20) أسيراً خلال الفصل، وتكون المحاضرة على سبيل المثال في تمام الساعة الرابعة عصراً في خيمة فلان أو زيارة لغرفة آخر، وذلك حسب نظام الحلقة، وتتراوح مدة المحاضرة بين الساعة إلا ربعاً إلى ساعة فقط؛ لأن الاحتلال يرفض تجمعهم لأكثر من هذه المدة.

وتكون مدة الفصل ما بين (3-4) أشهر، يقدم فيها الطالب الأسير الامتحانات والأنشطة، وهناك تشديد خلال فترة الامتحانات؛ بحيث يتم وضع مسافة متر ونصف المتر بين كل أسير وآخر، بالإضافة إلى وجود مراقبَين وأكثر، ويجري فحص الأوراق والأيادي درءاً للغش.

أثر الجامعة في حياة سناكرة

يضيف سناكرة أن الجامعة حققت نجاحاً كبيراً، خصوصاً في سجن النقب الذي يعدّ من أكبر قلاع الأسر لدى الاحتلال الذي يحارب التعليم ويتعمد سياسة التجهيل، بمصادرة الكتب والمقررات الدراسية. وأردف أن جامعة القدس المفتوحة منحت الطلبة والمعلمين الثقة داخل سجون الاحتلال لدراسة تخصص الاجتماعيات أو الخدمة الاجتماعية، موجهاً شكره أيضاً للأسير مسلمة ثابت، الذي كان يهتم بطلبة "القدس المفتوحة" داخل السجون.

حلم الوالدة يتحقق

كان شعور سناكرة لا يوصف حين أتيح له المجال في إكمال دراسته الجامعية داخل السجن، فالسجّان أراده معدماً أميّاً، غير أن إرادة الله شاءت أن تسخّر جامعة القدس المفتوحة لتكون وسيطاً ومنارة علم تحقق له الحلم في التعليم، وأبت إلا أن تخرجه للحياة مثقفاً متعلماً، وليحقق حلم والدته التي توفيت وهو داخل السجن، علماً بأنّ آخر زيارة لها كانت عام 2016 بعد أن التحق ببرنامج البكالوريوس.

الأسير المحرر سناكرة

أطلق سراح سناكرة بتاريخ 19-8-2020م، وكان من بين الذين استقبلوه مدير فرع الجامعة بنابلس د. سهيل أبو ميالة، الذي ألقى كلمة ترحيبية بالأسير المحرر خريج جامعة القدس المفتوحة.

يقول سناكرة إن شهادته الجامعية فتحت له مجالات كثيرة بعد تحرره، من أهمها أنه انتسب لدراسة ماجستير العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، وهو حالياً يعمل في الأجهزة الأمنية، مشيراً إلى أن الشهادة وفرت له مكانة اجتماعية مهمة، حينما قرر الارتباط والخطبة، فقد أعادت له الاعتبار وفتحت له أفق المستقبل.